نظمت مؤسسة الشارقة للفنون، صباح أمس السبت، وسط حضور كبير، بحضور الشيخة نوار القاسمي، مديرة المؤسسة، حفل افتتاح مقر «الطابق الطائر»، في الشارقة، ومعرض «لا مكان أقل من الآن 3»، الذي احتضنه المقر، للفنانين ليندسي سيرس وكيث سارجنت.
وتجول الحضور في المبنى، الذي يعد واحداً من أهم المعالم المعمارية في الشارقة منذ سبعينات القرن الماضي؛ حيث كان المبنى قد خضع لعملية ترميم، تم البدء فيها منذ عام 2018، فأزيل الملحق الإضافي، وتم نقل جميع وظائف الدعم إلى تحت الأرض، وتستهدف هذه العملية إعادة المبنى إلى شكله الأصلي القديم، وتعزيز الطابع المفتوح لمساحة صالة العرض الداخلية، وجاء ترميم المبنى ليستوعب الأفكار والرؤى الجديدة للمؤسسة؛ حيث اشتمل على إضافتين جديدتين مصممتين لاستكمال المبنى؛ لاستيعاب برامج جديدة، ودعم وظيفته كمركز مجتمعي، الأولى عبارة عن منصة خارجية، وهي مساحة عامة مفتوحة مصممة لتكون كامتداد مكاني للطبق الطائر، والتي ستستضيف الفعاليات الاجتماعية والعروض والأعمال الفنية التركيبية في الهواء الطلق، والثانية هي مساحة تحت الأرض، تضم: «الفوهة الخضراء» وهي فناء دائري مملوء بالنباتات المورقة والضوء الطبيعي، و«محطة المقهى»، ومكتبة كبيرة، و«غرفة الحرف»، و«قاعة الفعاليات»، و«غرفة الاجتماع»، و«محطة العمل»؛ حيث ستعمل هذه المساحات الديناميكية معاً على تنشيط المبنى، ليس فقط كمكان للمعارض؛ بل أيضاً كمركز للتجمع والإبداع والتعلم؛ بهدف إحياء التاريخ الاجتماعي والثقافي الغني لهذا المبنى الأيقوني، وإعادته للحياة اليومية لسكان الشارقة.
ويأتي المشروع في سياق عمل المؤسسة للمحافظة على التراث الجمالي والبيئي لإمارة الشارقة، ومن أجل خلق مساحات لعروض الفن المعاصر، وأيضاً تلبية احتياجات المجتمع المحلي، وتشمل المشاريع المعمارية الرئيسية الأخرى التي أنجزتها المؤسسة في السنوات الأخيرة: المباني الفنية في ساحة المريجة التي دشنت في عام 2013، وهي عبارة عن مجمع مكون من 5 من المباني المعاصرة الجديدة التي تم بناؤها إلى جانب 6 من المباني التاريخية، واستوديوهات الحمرية، التي أقيمت عام 2017، وهي مساحات فنية ومعارض شيدت في موقع سوق سابق، إضافة إلى الغرفة الماطرة، التي شيدت عام 2018، وهي عمل تركيبي دائم نفذته شركة «راندوم إنترناشيونال» الفنية التي تتخذ من لندن مقراً لها.
وتزامن افتتاح المبنى مع انطلاق معرض «لا مكان أقل من الآن 3»، ضمن برنامج «الشارقة للفنون» لخريف 2020. والذي سيستمر حتى 26 ديسمبر المقبل.
وقد استمتع الجمهور بالمحتوى الفني والجمالي للمعرض، والمتمثل في عمل تركيبي متعدد الوسائط للفنانة ليندسي سيرس، صمم للتفاعل مع هندسة المبنى، وتناول العرض مواضيع الإرث الاستعماري البريطاني، ورحلة الفنانة عبر التاريخ؛ من أجل البحث عن الحقيقة، ويستند العمل، من الناحية النظرية، على فلسفة هنري برغسون، وهو فيلسوف فرنسي، حصل على جائزة نوبل للآداب عام1927، ويعد من أهم الفلاسفة في العصر الحديث، كان نفوذه واسعاً وعميقاً، فقد أذاع لوناً من التفكير وأسلوباً في التعبير ترك بصمات مهمة على مجمل النتاج الفكري في مرحلة الخمسينات، ولقد حاول أن ينقذ القيم التي أطاحها المذهب المادي، ويؤكد خصوصية الروح؛ حيث يستند العمل على أفكاره عن «الذاكرة»، و«الحدس كممارسة»، من أجل تصوير أفلام بأسلوب محدد ومكون من فرضيات برغسون الثلاثة الأساسية حول طرح الأسئلة الإبداعية الصحيحة؛ حيث تقوم طريقة الفنانة سيرس على «إعادة التمثيل»، و«الاستحضار»؛ إذ تهدفان إلى كشف العلاقة بين الأشياء.
مكونات معمارية فريدة
وكان معرض «لا مكان أقل من الآن»، قد عرض أولاً عام 2012 في مبنى تين تابرناكل، كيلبورن في لندن من مؤسسة أرتانغيل، فيما عُرضت النسخة الثانية من العمل عام 2014 في متحف الفن القديم والحديث في هوبرت/ تاسمانيا كجزء من معرض مشترك بعنوان «الملكة الحمراء»، وتأتي نسخته الثالثة في الشارقة مختلفة تماماً عن سابقتيها، من حيث إقامته ضمن مبنى يتبع أسلوب «غوغي»، المعماري المستقبلي الذي يعود إلى منتصف السبعينات، والذي كان قد شيد إلى جانب إحدى الثكنات العسكرية البريطانية، وأصبح ضمن مباني مؤسسة الشارقة للفنون في عام 2012، ويستمد اسمه المستقبلي «الطبق الطائر»، من شكله، وبالاعتماد على تقرير نشرته أسبوعية «غلف ميرور»، الصادرة عام 1978، حول طبق طائر يحلق في سماء دبي، وتستخدم الفنانة سيرس المكونات المعمارية الفريدة؛ لتروي قصة هبوط سائح فضائي، وافتتانه بالقوى التي تدفع البشر للتحرك استجابة لنبضة، أو إيقاع، في محاولة استيعاب الحياة على الأرض عبر الاستعانة بعلم الهندسة والإيماءات والحركات.
وتعد الفنانة ليندسي سيرس مصورة ومخرجة تتجاوز ممارستها الفنية السرد القصصي البسيط، وتتعداه إلى خلق شبكة من الاستقصاء المفاهيمي الذي يجعل من الفوتوجراف مرجعية للاستدلال على السياقات التاريخية والشخصية، وقد نالت عن أعمالها العديد من الجوائز والمنح، أما رفيقها في العمل كيث سارجنت فهو فنان ومخرج ومصمم جرافيك، شاركت أعماله في العديد من المعارض الدولية، كما تعاون مع سيرس في أفلام وأعمال تركيبية فنية، إضافة إلى إنتاج أفلام تحريك وأفلام على أجزاء، وتصميم فيلم «لا شيء أقل من الآن 3»، مؤسسة الشارقة للفنون 2020، إلى جانب عدد من الأفلام التي تكشف عن موهبة فنية عظيمة.
المصدر: صحيفة الخليج