سعادة عمر سيف غباش مساعد وزير الخارجية والتعاون الدولي للشؤون الثقافية
قد تبدو حقول الزهور الهولندية بعيدة كل البعد عن كثبان دولة الإمارات الرملية، إلا أن العلاقة التاريخية التي تجمع بين هولندا ودولة الإمارات والتي تعود إلى أكثر من خمسين عاما مع إقامة العلاقات الدبلوماسية في عام 1972، قد أثمرت عن شراكة قوية بين البلدين في شتى المجالات.
ويعتبر أكثر من 7500 مواطن هولندي دولة الإمارات بلدهم الثاني حيث اتخذوها مكان لإقامتهم إلى جانب نحو 200 جنسية أخرى، ولطالما وجد الزوار القادمون من هولندا حفاوة الترحيب ما أن تطأ أقدامهم أرض الدولة. وقد كانت سواحل دولة الإمارات تاريخياً، بمثابة مراكز تجارة وإمداد رئيسية للتجار والمستكشفين الهولنديين، وحافظت الدولة على مكانتها كبوابة عبور رئيسية إلى المنطقة للشركات ورجال الأعمال الهولنديين.
ولقد ازدهرت الحركة التجارية بين بلدينا في السنوات الأخيرة، وكذلك الاستثمارية، حيث بلغ إجمالي تدفقات الاستثمار الإماراتي إلى هولندا نحو 754.3 مليون دولار أمريكي بين عامي 2003 و2019. وفي عام 2020، وعلى الرغم من التأثير السلبي لجائحة كوفيد-19 على الأسواق العالمية، فقد بلغ حجم التجارة الخارجية غير النفطية بين بلدينا أكثر من 3 مليارات دولار.
واستثمرت دولة الإمارات وهولندا في قطاعات الاتصالات والطاقة المتجددة والنقل والتخزين باعتبارها مجالات تركيز رئيسية للبلدين لخلق فرص عمل واقتصادية جديدة، وتعكس الاتفاقيات الموقعة بين بلدينا – من تجنب الازدواج الضريبي إلى اتفاقيات الخدمات الجوية – هذا المستوى من المشاركة الاقتصادية. ولعل عدد الرحلات الأسبوعية الـ 42 التي تم تسييرها في موسم شتاء 2020 بين البلدين، خير دليل على سبب قيام نحو 100 شركة هولندية بالاستثمار في دولة الإمارات على مر السنين، حيث أصبحت الإمارات العربية المتحدة أهم سوق تصدير في منطقة الشرق الأوسط.
ويتطلع العالم إلى التعافي الاقتصادي من جائحة كوفيد-19، ونحن في دولة الإمارات متفائلون بما ستحققه التجارة الثنائية من نمو ملحوظ. كما نتطلع إلى استكشاف فرص جديدة للشراكة من خلال زيادة الوفود التجارية وتبادل الزيارات بين بلدينا في الفترة المقبلة.
إن العلاقات الإماراتية الهولندية، التي أنتجت فوائد اقتصادية كبيرة لبلدينا، قد تم تكريسها أيضا من خلال التبادل الثقافي الغني بين بلدينا. وتؤمن دولة الإمارات وهولندا بقوة أنه من خلال تعزيز التعاون الثقافي بين بلدينا، يمكن الاستفادة من تبادل الخبرات في شتى المجالات.
ويُعد الأسبوع الإماراتي الهولندي لهذا العام دليلاً على أن المملكة الهولندية تشاركنا اهتمامنا بالترويج للفنون والمشاركة في تبادل المعرفة في المجالات الإبداعية والمتاحف، وتشارك سفارة دولة الإمارات في لاهاي سنويًا في مهرجان السفارات، حيث نعرض الثقافة الإماراتية من خلال الطعام والرقص الشعبي والملابس التقليدية وغيرها من العروض التراثية. بالإضافة إلى ذلك، استفادت سفارة دولة الإمارات من زياراتها العديدة للجامعات الهولندية لاستخلاص الدروس من مجالات الزراعة وتكنولوجيا الأغذية، وهما مجالان تتفوق فيهما هولندا.
ومع استئناف السياحة العالمية في فترة التعافي من جائحة كوفيد-19، يأمل المواطنون والمقيمون في دولة الإمارات الاستمتاع بكل ما تقدمه هولندا، كما يسرنا الترحيب بالزوار الهولنديين إلى الدولة. ومع انضمام هولندا إلى ما يقرب من 200 دولة ومنظمة أخرى مشاركة في إكسبو 2020 دبي، سوف تتمكن من مشاركة اللغة والثقافة والتقاليد الهولندية مباشرة مع دولة الإمارات.
هذا وسيكون إكسبو 2020 دبي بمثابة منتدى يمكن من خلاله لدولة لإمارات وهولندا تعزيز أحد أعمدة علاقتنا الدائمة: علاقة الأمن الغذائي. ونحن متحمسون في دولة الإمارات لرؤية ما سيقدمه شركاؤنا الهولنديون تحت جناحهم الخاص بالمناخ المحلي، والذي سيركز على موارد المياه والطاقة والغذاء، لا سيما أن بلدينا قد عملا بشكل متضافر لتحقيق الأمن الغذائي بطريقة مستدامة. ويوفر إكسبو 2020 دبي فرصًا لشركات التكنولوجيا الزراعية الهولندية لتوسيع مشاركتها داخل دولة الإمارات، فضلاً عن الأسواق المستهدفة الأخرى.
وقد عقدت دولة الإمارات وهولندا في السنوات الأخيرة، مناقشات رفيعة المستوى حول كيفية تعزيز جهود الأمن الغذائي العالمي، حيث يشترك بلدينا في الالتزام بمساعدة الدول النامية في معالجة المخاوف المتعلقة بالأمن الغذائي وتعزيز الابتكار في هذا المجال لدعم التقنيات الجديدة والفعالة.
وفي الوقت الذي يواجه فيه العالم التحديات التي تفرضها جائحة (كوفيد-19)، اكتسبت هذه القضية أهمية متجددة. ففي نوفمبر 2018، أطلقت دولة الإمارات الاستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي لضمان حصول كل فرد في دولة الإمارات على طعام كافٍ ومغذ وبأسعار معقولة، لا سيما أثناء حالات الطوارئ والأزمات. كما أرست الاستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي أسسًا لتعزيز استعداد بلدينا من خلال التأكيد على الحاجة إلى تنويع مصادر استيراد الأغذية، وتعزيز الإنتاج المحلي، وتحديد الأسواق الجديدة.
كما قامت دولة الإمارات في بداية الجائحة كوفيد-19، بتحديث الاستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي لتعزيز الاكتفاء الذاتي وتزويد السوق بالسلع الغذائية اللازمة خلال الجائحة. نعتقد أننا قد نستفيد من العمل مع هولندا والشركاء الدوليين الآخرين لمشاركة هذه المعرفة مع المجتمع العالمي ومواصلة التعلم من أفضل ممارساتهم في هذا المجال.
لطالما قدرت دولة الإمارات شراكتها مع هولندا وتعتقد أن الاحتفالات التاريخية لهذا العام سترفع تعاوننا إلى آفاق جديدة. وفي عام 2021 – وهو العام الذي نحتفل فيه في الإمارات العربية المتحدة بمرور 50 عامًا على تأسيس دولتنا ونحو 50 عامًا من الصداقة مع هولندا – نحن مصممون على اغتنام الفرص التي تعزز التعاون الثنائي ومتعدد الأطراف بين بلدينا.
هذا الاعتقاد هو الذي دفع دولة الإمارات وهولندا إلى ربط المنطقتين بعمق من خلال التبادل الدبلوماسي والاقتصادي والثقافي على مدى نصف القرن الماضي. وهذه الرؤية هي التي ستعزز شراكتنا – المحددة بالفرص والابتكار والمنفعة المتبادلة – لسنوات عديدة قادمة.
جدول الحوارات الكامل لـ “الأسبوع الإماراتي – الهولندي” متاح هنا
نُشر هذا المقال الافتتاحي في صحيفة The National في 30 مايو 2021.